يمكنك البحث في هذه المدونة بالنقر هنا

2019-10-19

مهنة المحاسبة في ليبيا والمعيار المحاسبي الدولي لإعداد التقارير المالية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (IFRS for SMEs)

بقلم: محمد قيس عادل القنبري
تاريخ البدء في الإعداد: 7-ديسمبر-2018م
تاريخ النشر: 19-أكتوبر-2019م


          تمثل مهنة المحاسبة بالنسبة لاقتصاد أي دولة الزيوت والشحوم التي تساعد الأخير في الحركة والعمل، ويعتبر الاهتمام بها أمراً ضرورياً، ويمكن إبراز أهم العوامل التي تساعد مهنة المحاسبة على التميز والتطور في أي دولة على النحو التالي:

1. التعليم المحاسبي الجيد الذي يمثل الزاد والعون لخريجين قسم المحاسبة.
2. المنظمات المهنية المحلية المحاسبية.
3. ممارسات الشركات المحلية لمهنة المحاسبة.




          وانطلاقاً من العامل الثالث يمكن القول أن الشركات الليبية حالياً تُطبق محاسبة مختلطة -إن صح التعبير- غير محددة المعالم، فالمحاسب الليبي ينتج أغلب معلوماته بتطبيق ممارسات محاسبية تتماشى مع متطلبات قانون ضرائب الدخل رقم (7) لسنة 2010م، أما باقي المعلومات المحاسبية فيقوم بإنتاجها وفق الممارسات السائدة والمنطقية والتي تخضع في مجملها إلى الحكم الشخصي، وعند طرح السؤال التالي على محاسبي الدولة الليبية وهو: هل تطبق الشركة التي تعمل بها المعايير المحاسبية الدولية IFRS؟

          يتردد البعض في إعطاء إجابة صريحة، والبعض الأخر يؤكد عدم التطبيق، مع أن إجابة السؤال جاهزة قبل طرحه، وذلك لأن المعايير المحاسبية الدولية بنسختها الكاملة IFRS والصادرة عن مجلس معايير المحاسبة الدولية (IASB) هي في الواقع تُطبّق في الشركات المدرجة في الأسواق المالية فقط، حيث أن أغلب المعايير المحاسبية الدولية تُركز على معالجة المسائل المحاسبية ذات العلاقة بالشركات المدرجة في السوق المالي والتي يتم مسائلتها من قبل الجمهور العام، وهذا الشرط لا نطبق على كل الشركات الليبية، فالسوق المالي الليبي يعتبر سوق غير كفؤ وضعيف وعدد الشركات المدرجة به قليل جداً ويكاد ينحصر في المصارف التجارية وشركات التأمين.

ولكن هل هذا يعني أننا بعيدين جداً على تبني المعايير المحاسبية الدولية؟
          يمكن الإجابة بنعم، فالمعايير المحاسبية الدولية تعتبر كملابس بحجم XXXL لشخص وزنه لا يتجاوز 60 كيلو جرام، وذلك لأنها تتطلب بنية تحتية جيدة حتى يتم تبينها، سواءً بنية اقتصادية أو محاسبية أو بشرية، ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد حل بديل! فقد اهتم مجلس معايير المحاسبة الدولية IASB بالدول التي تشبه في خصائصها الدولة الليبية، وبدأت الممارسات الرسمية للمجلس نحو موضوع التقارير المالية في المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم بدءاً من عام 1998 عندما طرحت لجنة معايير المحاسبة الدولية آنذاك IASC مشروع المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم SMEs project، حيث عقدت اللجنة العديد من المناقشات إلا أن نطاق المشروع لم يكن محدداً على نحو كاف، ومن ثم لم يتم إصدار أية معايير أو إرشادات رسمية، وأكدت لجنة معايير المحاسبة الدولية IASC في تقريرها السنوي الصادر في ديسمبر 2000 لمجلس معايير المحاسبة الدولية IASB على:

"A demand exists for a special version of International Accounting Standards for Small Enterprises".
          أي أن هناك مطالب لإيجاد نسخة خاصة للمعايير الدولية للمنشآت الصغيرة، وأوصت بإدراج هذا الموضوع كعنصر هام في أجندة المجلس.

ملاحظة: يقصد بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة تلك الشركات التي لا تتداول أسهمها في السوق المالي وليس لها مساءلة عامة من قبل الجمهور، وهذه الصفات تنطبق على جميع الشركات الليبية تقريباً.

          وانطلاقاً من توصيات لجنة معايير المحاسبة الدولية IASC قام المجلس IASB بعد تأسيسه مباشرةً بتعيين مجموعة عمل مكونة من خبراء لدراسة المشروع، وعلى إثر ذلك صرح الأعضاء الإداريون (Trustees) في التقرير السنوي بأنهم سوف يدعمون أي مجهود يقوم به المجلس من أجل إعداد معيار يراعي خصوصية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وقد تجسد الدعم فعلاً عندما قام الأعضاء الإداريون بإضافة هدف جديد للمجلس إلى جانب الأهداف السابقة، والمتمثل في ضرورة قيام المجلس بإعداد معيار محاسبي دولي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة يتماشى مع خصائصها، كما قام المجلس الاستشاري بدعم المشروع.

          وحُصرت القضايا المرتبطة بالموضوع حصراً أولياً، وظهرت أول ورقة نقاشية خاصة بالموضوع سنة 2004 بعنوان "آراء أولية بشأن المعايير المحاسبية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم".

          بعد استلام التعليقات على ورقة المناقشة الأولية تبين أن هناك مجموعة تطالب بتبسيط سياسات الاعتراف والقياس المحاسبي، على الرغم من أنهم لم يعطوا أو يقترحوا سياسات بديلة، كما لم تكن هناك أية إشارة إلى القضايا التي يجب تعديلها في المعيار الجديد، وبالتالي كان من الضروري بالنسبة للمجلس توفير معلومات أكثر حتى يتمكن من تقييم ماهية القضايا التي تحتاج إلى التبسيط والتعديل، لهذا قام المجلس بعقد اجتماعات عامة مفتوحة في ابريل 2005 مع معدي ومستخدمي التقارير المالية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، تم خلالها طرح سؤالين هما:

- ما هي القضايا التي يمكن تبسيطها سواءً في الاعتراف أو القياس المحاسبي من أجل إصدار معيار محاسبي دولي خاص بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة؟
على أن يتم توضيح ما يلي عند الرد: مشكلة محددة في مجال الاعتراف أو القياس المحاسبي، المعاملات أو الأحداق المحددة التي تخلق مشكلة الاعتراف أو القياس، ولماذا تعتبر مشكلة؟ وكيف يمكن حلها؟

- من واقع خبرتك، يرجى الإشارة إلى المواضيع التي تتناولها المعايير المحاسبية الدولية بشكلها الكامل والتي يمكن حذفها لأنها لا تحدث عادة مع المنشآت الصغيرة والمتوسطة؟ وإذا حدثت، فإن المعايير المحاسبية الدولية بنسختها الكاملة تتطلب من المنشآت الصغيرة والمتوسطة تحديد سياستها المحاسبية المناسبة من خلال النظر إلى ما هو قابل للتطبيق من المعايير المحاسبية الدولية.

          وفي يناير 2006 قام فريق العمل بإعداد بيان تمهيدي بالمبادئ الأساسية التي تشكل أساس مسودة للعرض وتشرح الحلول البديلة التي أخذت في عين الاعتبار، كذلك لماذا قبلت؟ ولماذا رفضت؟، وفي فبراير 2006 انطلق المجلس في دراسة ومراجعة البيان لإعداد مسودة عرض المعيار الذي تم نشرها في الموقع الالكتروني للعموم وبعدة لغات، وتم تحديد شهر سبتمبر 2007 كحد أقصى لكي يتم استقبال الإجابات، وتم تمديد هذه الفترة إلى نهاية شهر نوفمبر 2007 بناءً على طلب من المشاركات، وخصص المجلس فريق من الخبراء لتبسيط وشرح الاسئلة حتى يسهل فهمها ولا ترد اجابات مشتته ومتضاربة، ومن مارس 2008 إلى ابريل 2009 تم عقد 13 اجتماع عام مفتوح لإعادة النظر في مسودة عرض المعيار قبل الإصدار النهائي.

          يذكر أن المعيار تمت تسميته في البداية International Financial Reporting Standard For Private Entities ويشار إليه اختصاراً (IFRS for PEs) حيث يهدف هذا المعيار إلى مجموعة مبسطة من المبادئ التي تكون ملائمة لأعمال المنشآت الصغيرة والمتوسطة، بحيث تكون مستندة إلى معايير التقارير المالية الدولية (IFRS)، وفي ابريل 2009 تقرر اعتماد اسم معيار الابلاغ المالي الدولي الخاص بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم International Financial Reporting Standard For Small & Medium-sized Entities ويشار إليه اختصاراً (IFRS for SMEs).

          وفي يوليو 2009 تم إصدار المعيار بشكل نهائي، ويتوقع مجلس معايير المحاسبة الدولية اقتراح تعديلات على IFRS for SMEs، لذلك يقوم بنشر مسودة عرض شاملة وبصفة دورية (مرة كل ثلاثة سنوات)، ويتم دراسة القضايا التي تم توجيه انتباهه إليها فيما يتعلق بتطبيق المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وفي بعض الأحيان، وتحقيقاً لهذه الغاية أصدر المجلس في يونيو 2012 طلباً للحصول على معلومات: المراجعة الشاملة للمعيار الدولي لإعداد التقارير المالية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، بعد ذلك تم طرح مسودة في 2013 تقترح إدخال تعديلات على IFRS for SMEs، وفي مايو 2015 أصدر المجلس التعديلات (فقط) على IFRS for SMEs، وفي اكتوبر 2015 أصدر المجلس طبعة منقحة بالكامل من المعيار IFRS for SMEs.

          وأشار مجلس معايير المحاسبة الدولية أنه قد يحدد مسألة عاجلة قد يلزم النظر فيها لتعديل IFRS for SMEs خارج عملية المراجعة الدورية (أي أقل من 3 سنوات)، ومع ذلك، يعتبر المجلس أن مثل هذه الحالات نادرةً ما تحدث، وقد انتقد البعض هذا المعيار بسبب أنه يُراجع بعد 3 سنوات، حيث يرون أنه لا يستجيب بسرعة للتطورات.

          وإلى أن يتم تعديل المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة فإن أي تغيرات قد يضعها مجلس معايير المحاسبة الدولية أو اقتراح بشأن المعايير الدولية الكاملة لإعداد التقارير المالية لا تنطبق على المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، حيث أن هذا المعيار يعتبر معياراً مستقلاً بذاته، ولا يجب على المنشآت الصغيرة والمتوسطة أن تتوقع أو تُطبق التغييرات التي تم إعدادها علىIFRS  قبل دمج هذه التغيرات في IFRS for SMEs ، إلا في حالة عدم وجود إرشادات محددة في IFRS for SMEs فعندها تختار المنشآت الصغيرة والمتوسطة تطبيق التوجيه الموجود في IFRS.

          أن حجم التبسيط الموجود في المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (IFRS for SMEs) قد يساعد في النهوض بمهنة المحاسبة في ليبيا، من خلال تبني الشركات الليبية إلى هذا المعيار كخطوة بداية في مسيرة الانسجام والتوافق بين المعايير المحاسبية الدولية بنسختها الكاملة IFRS)) والتطبيقات المحاسبية المحلية، حيث يمكن اعتبار هذا المعيار نواة لتبني المعايير المحاسبية الدولية بنسختها الكاملة، ويرى الباحث أنه وفي حال تم تطبيق هذا المعيار في الدول النامية والتي لا تتوفر فيها أسواق مالية سيكون خطوة أساسية ومهمة، وفي حال تطورت هذه الدول سيكون بالتالي من السهل عليها تبني المعايير المحاسبية الدولية الكاملة، وقد تبنت العديد من الدول هذا المعيار IFRS for SMEs سواءً متطورة أو نامية، وهذا يعتبر مؤشراً إيجابياً في مسيرة التوافق الدولي، ومما قد يساعد الدولة الليبية في تبني هذا المعيار هو:

1. سهولة استعماله من طرف الجهات الراغبة في تطبيق IFRS for SMEs لمعالجته للأحداث الاقتصادية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، في الوقت الذي احتواء IFRS بشكلها الكامل معالجات لا تطبق في هذا النوع من المنشآت.
2. إصداره بلغة بسيطة دون أي تفاصيل كما هو الوضع في IFRS بشكلها الكامل.

هل يوجد ما يحد من استخدام المعيار المحاسبي الدولي لإعداد التقارير المالية في المنشآت الصغيرة والمتوسطة؟
من خلال تحليل العلاقات بين طبيعة المنشآت الصغيرة والمتوسطة وبين ما جاء في المعيار IFRS for SMEs، أرى أنه توجد عدة محددات تحد من استخدام معيار IFRS for SMEs وبالتالي عدم الاستفادة من فوائد استخدامه، بعض هذه المحددات متعلق بخصائص وطبيعة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في حد ذاتها مثل اعتبارات التكلفة والعائد، ومحددات أخرى متعلقة بمجلس معايير المحاسبة الدولية حيث أنه لا يملك سلطة الالزام بتطبيق هذه المعايير كما هو الحال بالنسبة لمعايير المحاسبة الدولية بنسختها الكاملة، ولكن المعايير الدولية الكاملة ساعدها في ذلك الزام الأسواق المالية، مما أدى لإنتشارها وتطبيقها، بينما معيار IFRS for SMEs فهو موجه أساساً للمنشآت غير المدرجة في الأسواق المالية، وبالتالي لا توجد سلطة لهذه الأسواق في تطبيق هذا المعيار، وعليه تجد المنشآت الصغيرة والمتوسطة نفسها (وخصوصاً في الدول النامية) غير مضطرة إلى استخدام هذا المعيار.

ما هي الفوائد التي تعود على الشركات الليبية عند تطبيقها للمعيار (IFRS for SMEs)؟
1. توفير إمكانية للمقارنة المحسنة لمستخدمي التقارير المالية لهذه الشركات.
2. تعزيز الثقة العامة في تقاريرها المالية.
3. الحد من التكاليف الكبيرة التي كان من الممكن تكبدها عند تطبيق المعايير المحاسبية الدولية بنسختها الكاملة.
4. بالنسبة للدول النامية، تعتبر مجموعة جاهزة وستكون بالتأكيد أقل تكلفة من وضع معايير وطنية.
5. عند تطبيق هذه الشركات لمعيار IFRS for SMEs تصبح جاهزة للتحول إلى المعايير الكاملة إذا قررت النمو وإدراج أسمهما في أسواق مالية.

المراجع:
المراجع العربية:
1. جزر، هاني التابعي ورويحة، حنان أحمد، (2014)، أثر المعيار الدولي الخاص بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم على تحديد الوعاء الضريبي في الشركات المصرية - دراسة نظرية تحليلية، المؤتمر السنوي الخامس لقسم المحاسبة، جامعة القاهرة، كلية التجارة.
2. عزاوي، عمر ومهاوة، أمال، (2012)، المعيار الدولي للتقارير المالية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة: فرصة وتحدي للدول النامية، مجلة الباحث، العدد 11.
المراجع الانجليزية:
1. IASB, IASB Questionnaire on Possible Recognition and Measurement Modifications for Small and Medium-sized Entities (SMEs), 2005.
2. IFRS Foundation—Supporting Material for the IFRS for SMEs Standard, 2015.
3. International Financial Reporting Standard (IFRS) for Small and Medium-sized Entities (SMEs), 2009.
4. International Financial Reporting Standard (IFRS) for Small and Medium-sized Entities (SMEs), 2015.

هناك تعليق واحد:

  1. مقال جميل جدا جدا و ثري بالمعلومات .. جزاكم الله خيراً .

    ردحذف